الجمعة، 7 يونيو 2013

حواسيب الكتابة

في عالم يزداد تعقيداً يجب أن يصبح التبسيط بياناً يرفض التعقيد ويعلن السير عكس التيار، يبدو أننا اليوم وصلنا لمرحلة أصبحت فيه الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية حلاً لأي حالة وهذه أجهزة تزداد خصائصها وأحجامها وتقدم للمرء أكثر مما يحتاج وتعطيه فرصة لتجربة برامج كثيرة وطرق مختلفة للتعامل مع محتويات الشبكة التي نعلم جيداً أنها محتويات لا نهاية لها، من الصعب اليوم أن تجد حلولاً متخصصة تقدم وظائف محدودة لأناس لا يرغبون أو يحتاجون إلا القليل من الخصائص، حتى الكاميرات أصبحت "ذكية" وبدأت تقدم خصائص كثيرة ومن يدري لعلها تصبح قريباً كاميرات ذكية لا تختلف عن الهواتف الذكية في شيء سوى العدسة الكبيرة.

هناك حاجة ملحة لتقديم حلول متخصصة وأعني بذلك منتجات أو خدمات تركز على شيء واحد فقط ولا تحاول أن تفعل أو تقدم كل شيء للمستخدم، هناك أناس يفضلون الأجهزة التي تفعل شيئاً واحداً، ساعة اليد تخبرهم عن الوقت فقط لا أن تصبح ذكية تخبرهم عن وصول آخر رسائل البريد الإلكتروني وتمكنهم من الاتصال بالآخرين، الهاتف يقدم خصائص الاتصال والرسائل النصية القصيرة ولا شيء أكثر من ذلك، الكاميرا تصور فقط ولا تقدم شيئاً أكثر من ذلك.

الأمر نفسه يتكرر مع البرامج فهناك برامج تقدم كل شيء مثل مايكروسوفت وورد الذي يحوي خصائص أكثر من حاجة أي فرد في حين أن هناك أناس كثر يفضلون عليه برامج أبسط فيختارون محرراً نصياً للكتابة وبرنامجاً آخر لتنسيق النص وثالث للتعامل مع الصور وربما رابع للتعامل مع الرسومات، كل هذه الأدوات المتفرقة متخصصة في فعل شيء واحد ويمكن جمعها لتفعل ما يفعله برنامج واحد ضخم يقدم كل شيء.

من يمارس عملاً ما سيحتاج لأداة تحقق له ما يريد بأفضل شكل، لا يمكن أن تقول لرسام محترف أن يستخدم برنامج الرسام في ويندوز وإن كان كثير من الناس استخدموه لإبداع رسومات عديدة جميلة، محترف الرسم سيحتاج برنامجاً يقدم له كل الأدوات الضرورية ويعطيه إمكانية إنجاز الكثير بسرعة وكفاءة، وقد يشتري محترف الرسومات جهازاً يتيح له الرسم بشكل أفضل من استخدام الفأرة بل هناك شاشات مصممة للرسامين لكي يرسموا مباشرة بالقلم على الشاشة، هذه الأدوات لا تغني المرء عن الحاجة للمهارة والخبره لكنها تساعده في تحقيق نتائج أفضل وبفعالية أكبر.

الكاتب قد يحتاج لبرامج تساعده على الكتابة بفعالية وهناك الكثير منها، هناك محررات نصية تأخذ كل مساحة الشاشة فلا يرى الكاتب أي شيء سوى ما يكتبه، هناك محررات نصية بخصائص متقدمة تساعد الكاتب على التدقيق الإملائي وقد تنسق له النص وبعضها يذهب لأبعد من ذلك بتوفير قاموس وربما أدوات أخرى، لكن كل هذا لا فائدة منه ما لم يمارس الكاتب مهمته الأساسية وهي الكتابة وفي عصر الشبكة يجد البعض صعوبة كبيرة في التركيز على الكتابة لأن الحواسيب المكتبية والنقالة واللوحية وكذلك الهواتف النقالة كلها توفر كثيراً من الملهيات وتوفر عالماً غير محدود من المحتويات والألعاب والاتصالات.

هناك حاجة لجهاز موجه للكتّاب ويعطيهم فرصة الكتابة في أي مكان دون أي تشويش أو اتصال بالشبكة، وبالفعل هناك العديد من هذه الأجهزة اليوم لكنها كلها بلا استثناء لا تدعم العربية وهذا أمر مؤسف، لنلقي نظرة على بعضها.

ألفاسمارت لديها جهازان، أحدهما دانا (Dana) والآخر نيو (Neo)، دانا يعمل بنظام بالم 4.1 وهذا يعني إمكانية تشغيل المئات من البرامج المتوفرة حتى اليوم لهذا النظام، وهو يحوي شاشة بقياس 560 × 160 بكسل ولوحة مفاتيح كبيرة، نيو يحوي نفس لوحة المفاتيح وشاشة أصغر ونظاماً أبسط لا يحوي الكثير وهو جهاز للكتابة فقط، الجهازان يمكنهما العمل ببطاريات عادية ولساعات طويلة، دانا يمكنه العمل 25 ساعة ونيو 700 ساعة، هل هناك أي حاسوب نقال أو لوحي يمكنه تحقيق مثل هذه الأوقات؟

في اليابان هناك شركة تسمى King Jim ولديها خط منتجات يسمى بوميرا وهي أجهزة مصممة للكتابة، أكثرها يأتي بلوحة مفاتيح تطوى ليصبح الجهاز صغير الحجم ويمكن وضعه في جيب المعطف أو في حقيبة صغيرة وهناك جهاز بلوحة مفاتيح لا تطوى لكنه ما زال صغير الحجم وخفيف الوزن مقارنة بالحواسيب النقالة، وبحسب ما فهمته من الصفحات هذه الأجهزة يمكنها العمل من 20 إلى 25 ساعة دون إعادة شحن بطاريتها.

الخيارات الأخرى المتوفرة موجهة في الغالب لطلبة المدارس وخصوصاً من يعانون من صعوبات الكتابة أو عسر القراءة، قد لا يستطيع طالب ما الكتابة بشكل جيد ويكون من الصعب عليه متابعة المدرس وكتابة الملاحظات في نفس الوقت ولذلك الكتابة على لوحة المفاتيح تكون عملية أبسط له، لهذه الحالات وغيرها هناك عدة أجهزة متوفرة وهي في الغالب لوحة مفاتيح مع شاشة صغيرة وقدرة على العمل لساعات طويلة وتعمل بنظام تشغيل بسيط.

ما الحاجة لمثل هذه الأجهزة؟
قد يرى البعض أن الموضوع لا يحتاج إلا لتحكم ذاتي، لا تشغل المتصفح وركز على عملك واكتب وإذا شعرت برغبة في أن تبتعد عن عملك لتلهو بشيء ما في المتصفح فخذ نفساً عميقاً وعد للعمل، هذه نصيحة ممتازة بالمناسبة، إن كنت تعمل على أي شيء وشعرت برغبة أن تتوقف وتفعل شيئاً آخر غير منتج فتوقف للحظة واعترف برغبتك هذه وتنفس بعمق ودعها تذهب، جرب ذلك مرات عدة وستلاحظ أن مستوى تركيزك يتحسن، مع ذلك لا زلت أرى أن هناك حاجة لأجهزة متخصصة للكتّاب.

في البداية عمر البطارية لوحده سبب كافي لوجود جهاز متخصص للكتابة فقط، ألفاسمارت نيو مثلاً يمكنه أن يعمل 700 ساعة على ثلاث بطاريات صغيرة يمكن شرائها من أي مكان في العالم تقريباً، وزنه أخف من الحواسيب النقالة ولا ترتفع حرارته وصنع لكي يتحمل ما قد يفعله طلاب المدارس به بل رأيت صورة لأحد مدراء ألفاسمارت وهو يضرب مسماراً بجهاز نيو!، أضف لذلك بساطة نظام التشغيل وسرعته، شغل الجهاز وسيعمل فوراً ولا داعي للانتظار طويلاً ويمكن الكتابة مباشرة.

قارن كل هذا بالحواسيب النقالة اليوم، يمكن لبعضها العمل 10 ساعات وبإضافة بطارية أخرى يمكن لبعضها العمل 20 ساعة لكن مقابل ذلك سيزداد وزن الجهاز، لا تنسى الحرارة التي يصدرها الجهاز والمراوح التي تعمل طوال الوقت لتبريده، النظام لا يعمل مباشرة عند تشغيل الجهاز بل يحتاج لوقت منذ أن تضغط على زر التشغيل وحتى وصولك لسطح المكتب، كثير من هذه الأجهزة لا تتحمل الصدمات وليست مصممة لذلك وكثير منها غير مناسب للعمل تحت أشعة الشمس إذ يصعب رؤية الشاشة على عكس حواسيب الكتابة التي تحوي شاشات إحادية اللون تصبح أكثر وضوحاً تحت أشعة الشمس.

قرأت لكتّاب يستخدمون ألفاسمارت والحواسيب النقالة ويرون أن لكل جهاز استخدامه، ألفاسمارت جهاز يحملونه معهم في كل مكان فأي فكرة أو مقالة تخطر في أذهانهم يمكنهم تدوينها مباشرة عليه ويمكنهم الكتابة في أي وقت وأي مكان، الحاسوب النقال يستخدمونه لأغراض أخرى كثيرة وبعضهم لا يحمله إلا في السفر، بعضهم يسافر لأوقات طويلة لأماكن قد لا تحوي اتصالاً بالشبكة ويحملون معهم ألفاسمارت لعمر بطاريته الطويل ولأن الحاسوب النقال لا يكون مفيداً لهم بدون اتصال بالشبكة، وبعضهم يذهب لأماكن قد لا يجدون فيها الكهرباء أو لا تكون شبكة الكهرباء فيها موثوقة وبالتالي ألفاسمارت خيار أفضل هنا أو الخيار الوحيد بجانب الورق والقلم.

استخدام الأداة المناسبة لإنجاز عمل محدد، هذا هو ما تقدمه حواسيب الكتابة في حين أن الحواسيب النقالة هي أداة عامة يمكنها فعل كل شيء تقريباً لكن هذا لا يعني أنها تستطيع أن تفعل كل شيء بأفضل شكل، الأدوات المتخصصة يمكنها أن تقدم أداء أفضل وفعالية أكبر.

أين أجد واحداً؟
يمكنك شراء أجهزة ألفاسمارت لكن كما ذكرت من قبل هذه لا تدعم العربية وإن كان دعم العربية لا يهمك فأنت تكتب بالإنجليزية مثلاً أو لعلك تدرس في جامعة أجنبية فقد تكون أجهزة ألفاسمارت خياراً مناسباً لك، لكن إن كنت تريد دعم العربية فليس هناك أي خيار متوفر لك، لعل أقرب شيء لهذه الأجهزة هي حواسيب كرومبوك التي تعمل بنظام كروم لكن هذه لا تباع في أسواقنا ولا أعرف إن كانت تدعم العربية أم لا.

مؤسف أن الخيارات المتوفرة قليلة وإن أردت خياراً يدعم العربية فهو غير متوفر، مثل هذه الأجهزة البسيطة في وظائفها لا تجد من يهتم بها من الشركات الكبيرة لأنها قطاع غير مربح لهذه الشركات التي ترى أن أي منتج لا يحقق أرباحاً هائلة هو منتج فاشل حتى لو حقق بعض الربح، تسويق الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية التي تزداد قوة وحجماً كل عام أمر سهل في حين أن تسويق منتج بسيط ويقدم الأقل ليس سهلاً، هذا وغيره أسباب تجعل مثل هذه المنتجات البسيطة نادرة.

لذلك تبقى فكرة حاسوب الكتابة يدعم العربية أمنية أو حلماً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق